قراءتي للعقلية التركية تمركزت مفاهيمها منذ فترة ليست بالقليلة، فقد زرتها مرارًا وتكرارًا، وزادت قراءتي النوعية لتركية خلال السنوات الخمس الماضية، إضافة إلى البُعد الداخلي والدولي الذي تمثله العقلية التركية الحديثة. لن نخوض هنا في نوعية الأحزاب التي تحمل الهم والفكر الإسلامي التركي الحديث بمختلف مسمياتها، لكننا سننظر إلى العقلية التي تأسست على القواعد المتينة، والمنهجيات المكينة؛ لوضع تركية كمحرك أساسي في المنطقة وخارجها.
إن الذي استثارني لمتابعة هذا الملف هو حجم العقبات الهائلة في وجه التحرك الإسلامي، من طوفان العلمانية الجارف المدعوم بالجيش، في مقابل الحِراك السلمي الإسلامي المؤثر، ولكن بأسلحته المتطورة! وهنا مكمن الفرس كما يُقال. فأن تقوم حركة سلمية بنت دعائم نهضتها على خطط اقتصادية متمثلة في إنشاء (1100 شركة)، وتعليمية في إنشاء (800 مدرسة دينية)، واجتماعية في إنشاء (550 صندوق تبرعات و2500 جمعية خيرية)، وإعلامية في إنشاء (19 صحيفة، و110 مجلات ودوريات، و51 محطة إذاعية، و20 محطة تلفزة)، ثم تثبت الإحصاءات كما يقول رئيس الأركان بالنص: «إن الإسلاميين ينفقون خمسة مليارات لاستمالة الفقراء، وخمسة مليارات لتمويل الصحف والتلفزة ونشر الدعوة، والدعاية لمرشحيهم في الانتخابات، وخمسة مليارات للمنح الدراسية لمصر وليبيا والسعودية وغيرها».
إن هذه الأرقام تعطي مؤشرًا لكيفية اتجاه البوصلة العقلية (لأردوغان) الذي رفع رواتب الموظفين إلى (40%)، والجيش العلماني إلى (70%)!! في حين خفض ديون تركية إلى (40%)!! إن الحركة الإسلامية الممتزجة بالروح الوطنية في عقلية أردوغان ورفاقه، هي التي جعلتهم (نمرًا) يحدث التغيير الهائل، رغم بعض النقد الذي يمس كل البشر والمشروعات العملاقة.
وقد تكون آثار تلك الأرقام النوعية على المستوى الداخلي الذي جعل تركية من أكبر مصدري الناتج القومي للعالم والذي فاق عددًا من الدول العربية والإسلامية الكبرى بعدة أضعاف في فترة وجيزة شيئًا مذهلاً ! ويكفي أن نقرأ الخبر القصير في عنوانه، والعميق في مضمونه الذي يقول: إن وزير الخارجية التركي دعا كل سفراء تركية في العالم لمدة عشرة أيام للإقامة في تركية لوضع خطة إستراتيجية لتمتين العلاقات مع كل الدول، ليكونوا الجزء الأساس في التحريك الداخلي، لا مجرد جهات استخباراتية، وموقعي معاملات دورية!
إن تركية لم تخفِ وجهتها الإسلامية، ولا إرثها التاريخي البطولي، ولا انفتاحها المستنير الواعي، كما لم تلعب بورقة واحدة، وبعقلية واحدة! ورجالات تركية اليوم من أبناء العمل السياسي الإسلامي لم يكونوا في موقعهم الحالي، و هم يخططون على صفائح الدبابات، ولا برصد الدسائس ومسك الأوراق المتبادلة! إنما هي العقلية التي تضع الهدف الواضح الأكبر، وتتعامل معه مرة بحسم، ومرة بمرونة، ومرة بحراك جماهيري، ومرة بلغة المصالح.
و(أردوغان) بطل المسلمين اليوم، والمكرم في خدمة المسلمين في جائزة الملك فيصل، الذي يصول في القصر اليوم، هو نفسه الذي صدح عندما حكم عليه بالسجن: “سنواصل نضالنا الديمقراطي حتى النهاية، لن نطأطئ رؤوسنا أمام الاضطهاد”. ولكن هذه الكلمات لم تكن صيحات، ولا أناشيد، ولا توزيع أدوار، ولا تبادل لاتهامات مناصب الصقور والأجنحة! إنما منطق التأسيس التخطيطي، والعقلية المرنة، والتوغل الانفتاحي، والاستمداد القيمي، والكسب الشبابي، والحلم الجماعي! وهذا الحلم فقده أتراك أتاتورك (العلمانية)، كما فقده جنرالات (الشيوعية) الروسية، والتي تنبأ بسقوطها (محمد حسنين هيكل) عندما زارها، وقال للدكتور (عبدالوهاب المسيري) -رحمه الله-: إن روسيا الشيوعية ستتلاشى. فاستغرب المسيري من هذا التفاؤل رغم إيمانه بقوة الشيوعية، فرد هيكل باختصار: لم يعد هناك حلم يفكرون فيه!! والكسب الحضاري اليوم لأصحاب الحلم الذين يستيقظون بعده!!
السبت فبراير 27, 2010 3:59 am من طرف Admin
» ميزو خالد ميزو خالد
الخميس فبراير 25, 2010 4:58 pm من طرف Admin
» ماذا قدم الرسول للبشرية ؟ - عمر عبد الكافي...
الخميس فبراير 25, 2010 4:13 pm من طرف Admin
» أحمد الهاجري - أدعوك _جديد
الأحد فبراير 21, 2010 5:48 pm من طرف Admin
» أن تدخلني ربي الجنة هذا اقصى ما اتمنى
الأحد فبراير 21, 2010 5:45 pm من طرف Admin
» مدرسة لين
الجمعة فبراير 19, 2010 2:34 pm من طرف Admin
» لا تنسى ذكر الله
الجمعة فبراير 19, 2010 2:29 pm من طرف Admin
» قصة عيسى عليه السلام
الأربعاء فبراير 10, 2010 4:24 pm من طرف Admin
» قصة نبي الله يونس عليه السلام
الأربعاء فبراير 10, 2010 4:18 pm من طرف Admin